فصل: فصل: القول في البسملة هل هي آية أو ليست بآية؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: القول في البسملة هل هي آية أو ليست بآية؟

وأما القول في أنها آية أو ليست بآية فإنه لا خلاف أنها ليست بآية تامة في سورة النمل وأنها هناك بعض آية وإن ابتداء الآية من قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ} ومع ذلك فكونها ليست آية تامة في سورة النمل لا يمنع أن تكون آية في غيرها لوجودها مثلها في القرآن ألا ترى أن قوله: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في أضعاف الفاتحة هو آية تامة وليست بآية تامة من قوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} عند الجميع وكذلك قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} هو آية تامة في الفاتحة وهي بعض آية في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية في فصول السور واحتمل أن تكون آية على حسب ما ذكرنا وقد دللنا على أنها ليست من الفاتحة فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل لأن التي في سورة النمل ليست بآية تامة والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قرأ في الصلاة فعدها آية.
وفي لفظ آخر: أن النبي عليه السلام كان يعد {بسم اللّه الرحمن الرحيم} آية فاصلة رواه الهيثم بن خالد عن أبي عكرمة عن عمرو بن هارون عن أبي مليكة عن أم سلمة عن النبي عليه السلام.
وروى أيضا أسباط عن السدى عن عبد خير عن على أنه كان يعد {بسم اللّه الرحمن الرحيم} آية وعن ابن عباس مثله وروى عبد الكريم عن أبي أمية البصري عن ابن أبي بردة عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان عليه السلام غيرى فمشى واتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد وأخرج إحدى رجليه من أسكفة الباب وبقيت الرجل الأخرى ثم أقبل على بوجهه فقال بأى شيء تفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة فقلت ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} قال ثم خرج».
قال أبو بكر فثبت بما ذكرنا أنها آية إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها في نفى كونها آية فإن قال قائل يلزمك على ما أصلت أن لا تثبتها آية بأخبار الآحاد حسب ما قلته في نفى كونها آية من أوائل السور قيل له لا يجب ذلك من قبل أنه ليس على النبي صلّى اللّه عليه وسلم توقيف الأمة على مقاطع الآية ومقاديرها ولم يتعبد بمعرفتها فجائز إثباتها آية بخبر الواحد وأما موضعها من السور فهو كإثباتها من القرآن سبيله النقل المتواتر ولا يجوز إثباتها بأخبار الآحاد ولا بالنظر والمقاييس كسائر السور وكموضعها من سورة النمل ألا ترى أنه قد كأنه يكون من النبي صلّى اللّه عليه وسلم توقيف على موضع الآي على ما روى ابن عباس عن عثمان وقد قدمنا ذكره ولم يوجد عن النبي عليه السلام توقيف في سائر الآي على مباديها ومقاطعها فثبت أنه غير مفروض علينا مقادير الآي فإذ قد ثبت أنها آية فليست تخلو من أن تكون آية في كل موضع هي مكتوبة فيه من القرآن وإن لم تكن من أوائل السور أو أن تكون آية منفردة كررت في هذه المواضع على حسب ما يكتب في أوائل الكتب على جهة التبرك باسم اللّه تعالى فالأولى أن تكون آية في كل موضع هي مكتوبة فيه لنقل الأمة أن جميع ما في المصحف من القرآن ولم يخصوا شيئا منه من غيره وليس وجودها مكررة في هذه المواضع مخرجها من أن تكون من القرآن لوجودنا كثيرا منه مذكورا على وجه التكرار ولا يخرجه ذلك من أن تكون كل آية منها وكل لفظة من القرآن في الموضع المذكور فيه نحو قوله: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} في سورة البقرة مثله في سورة آل عمران ونحو قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} كل آية منها مفردة في موضعها من القرآن لا على معنى تكرار آية واحدة وكذلك {بسم اللّه الرحمن الرحيم} وقول النبي عليه السلام أنها آية يقتضى أن تكون آية في كل موضع ذكرت فيه.

.فصل: قراءة البسملة في الصلاة:

وأما قراءتها في الصلاة فإن أبا حنيفة وابن أبى ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبا يوسف ومحمد وزفر والشافعي كانوا يقولون بقراءتها في الصلاة بعد الاستعاذة قبل فاتحة الكتاب واختلفوا في تكرارها في كل ركعة وعند افتتاح السورة.
فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يقرأها في كل ركعة مرة واحدة عند ابتداء قراءة فاتحة الكتاب ولا يعيدها مع السورة عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد والحسن بن زياد عن أبي حنيفة إذا قرأها في أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها في تلك الصلاة حتى يسلم وإن قرأها مع كل سورة فحسن قال الحسن وإن كان مسبوقا فليس عليه أن يقرأها فيما يقضى لأن الإمام قد قرأها في أول صلاته وقراءة الإمام له قراءة قال أبو بكر وهذا يدل من قوله على أنه كان يرى {بسم اللّه الرحمن الرحيم} من القرآن في ابتداء القراءة وأنها ليست مفردة على وجه التبرك فقط حسب إثباتها في ابتداء الأمور والكتب ولا منقولة عن مواضعها من القرآن وروى هشام عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة عن قراءة {بسم اللّه الرحمن الرحيم} قبل فاتحة الكتاب وتجديدها قبل السورة التي بعد فاتحة الكتاب فقال أبو حنيفة يجزيه قراءتها قبل الحمد وقال أبو يوسف يقرأها في كل ركعة قبل القراءة مرة واحدة ويعيدها في الأخرى أيضا قبل فاتحة الكتاب وبعدها إذا أراد أن يقرأ سورة قال محمد فإن قرأ سورا كثيرة وكانت قراءته يخفيها قرأها عند افتتاح كل سورة وإن كان يجهر بها لم يقرأها لأنه في الجهر يفصل بين السورتين بسكتة قال أبو بكر وهذا من قول محمد يدل على أن قراءة {بسم اللّه الرحمن الرحيم} إنما هي للفصل بين السورتين أو لابتداء القراءة وأنها ليست من السورة ولا دلالة فيه على أنه كان لا يراها آية وأنها ليست من القرآن وقال الشافعي هي من أول كل سورة فيقرأها عند ابتداء كل سورة قال أبو بكر وقد روى عن ابن عباس ومجاهد أنها تقرأ في كل ركعة وعن إبراهيم قال إذا قرأتها في أول كل ركعة أجزأك فيما بقي وقال مالك بن أنس لا يقرأها في المكتوبة سرا ولا جهرا وفي النافلة إن شاء قرأ وإن شاء ترك والدليل على أنها تقرأ في سائر الصلوات.
حديث أم سلمة وأبى هريرة أن النبي عليه السلام كان يقرأ في الصلاة {بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين}.
وروى أنس بن مالك قال صليت خلف النبي صلّى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يسرون {بسم اللّه الرحمن الرحيم}.
وقال في بعضها يخفون وفي بعضها كانوا لا يجهرون ومعلوم أن ذلك كان في الفرض لأنهم إنما كانوا يصلون خلفه في الفرائض لا في التطوع إذ ليس من سنة التطوع فعلها في جماعة وقد روى عن عائشة وعبد اللّه بن المغفل وأنس بن مالك أن النبي عليه السلام كان يفتتح القراءة ب {الحمد لله رب العالمين}.
وهذا إنما يدل على ترك الجهر بها ولا دلالة فيه على تركها رأسا فإن قال قائل: روى أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا نهض في الثانية استفتح ب {الحمد لله رب العالمين} ولم يسكت.
قيل له ليس لمالك فيه دليل من قبل أنه إن ثبت أنه لم يقرأها في الثانية فإنما ذلك حجة لمن يقتصر عليها في أول ركعة فأما أن يكون دليلا على تركها رأسا فلا وقد روى قراءتها في أول الصلاة عن على وعمر وبن عباس وابن عمر من غير معارض لهم من الصحابة فثبت بذلك قراءتها في الفرض والنفل لما ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم وعن الصحابة من غير معارض لهم وعلى أنه لا فرق بين الفرض والنفل لا في الإثبات ولا في النفي كما لا يختلفان في سائر سنن الصلاة وأما وجه ما روى عن أبي حنيفة في اقتصاره على قراءتها في أول ركعة دون سائر الركعات وسورها فهو لما ثبت إنها ليست من أوائل السور وإن كانت آية في موضعها على وجه الفصل بين السورتين أمرنا بالابتداء بها تبركا ثم ثبت إنها مقروءة في أول الصلاة بما قدمناه وكانت حرمة الصلاة حرمة واحدة وجميع أفعالها مبنية على التحريمة صار جميع الصلاة كالفعل الواحد الذي يكتفى بذكر اسم اللّه تعالى في ابتدائه ولا يحتاج إلى إعادته وإن طال كالابتداء بها في أوائل الكتب وكما لم تعد عند ابتداء الركوع والسجود والتشهد وسائر أركان الصلاة كذلك حكمها مع ابتداء السورة والركعات ويدل على أنها موضوعة للفصل ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو دواد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل {بسم اللّه الرحمن الرحيم}.
وهذا يدل على أن موضوعها للفصل بين السورتين وأنها ليست من السور ولا يحتاج إلى تكرارها عند كل سورة فإن قال قائل إذا كانت موضوعة للفصل بين السورتين فينبغي أن يفصل بينهما بقراءتها على حسب موضوعها قيل له لا يجب ذلك لأن الفصل قد عرف بنزولها وإنما يحتاج في الابتداء بها تبركا وقد وجد ذلك في ابتداء الصلاة ولا صلاة هناك مبتدأة فيقرأ من أجلها فلذلك جاز الاقتصار بها على أولها وأما من قرأها في كل ركعة فوجه قوله إن كل ركعة لها قراءة مبتدأة لا ينوب عنها القراءة في التي قبلها فمن حيث احتيج إلى استئناف القراءة فيها صارت كالركعة الأولى فلما كان المسنون فيها قراءتها في الركعة الأولى كان كذلك حكم الثانية إذ كان فيها ابتداء قراءة ولا يحتاج إلى إعادتها عند كل سورة لأنها فرض واحد وكان حكم السورة في الركعة الواحدة حكم ما قبلها لأنها دوام على فعل قد ابتدأه وحكم الدوام حكم الابتداء كالركوع إذا أطاله وكذلك السجود وسائر أفعال الصلاة الدوام على الفعل الواحد منها حكمه حكم الابتداء حتى إذا كان الابتداء فرضا كان ما بعده في حكمه وأما من رأى إعادتها عند كل سورة فإنهم فريقان أحدهما من لم يجعلها من السورة والآخر من جعلها من أوائلها فأما من جعلها من أوائلها فإنه رأى إعادتها كما يقرأ سائر آي السورة وأما من لم يرها من السورة فإنه يجعل كل سورة كالصلاة المبتدأة فيبتدئ فيها بقراءتها كما فعلها في أول الصلاة لأنها كذلك في المصحف كما لو ابتدأ قراءة السورة في غير الصلاة بدأ بها فلذلك إذا قرأ قبلها سورة غيرها وقد روى أنس ابن مالك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «أنزلت على سورة آنفا ثم قرأ {بسم اللّه الرحمن الرحيم} ثم قرأ {إنا أعطيناك الكوثر}».
إلى آخرها حتى ختمها وروى أبو بردة عن أبيه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}.
فهذا يدل على أنه عليه السلام قد كان يبتدئ قراءة السورة في غير الصلاة بها وكان سبيلها أن يكون كذلك حكمها في الصلاة وقد روى عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر أنه كان يفتتح أم القرآن ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} ويفتتح السورة ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} وروى جرير عن المغيرة قال أمنا إبراهيم فقرأ في صلاة المغرب {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ} حتى إذا ختمها وصل بخاتمتها {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} ولم يفصل بينهما ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم}.

.فصل: الجهر بالبسملة:

وأما الجهر بها فإن أصحابنا والثوري قالوا يخفيها وقال ابن أبي ليلى إن شاء جهر وإن شاء أخفى وقال الشافعي يجهر بها وهذا الاختلاف إنما هو في الإمام إذا صلّى صلاة يجهر فيها بالقراءة وقد روى عن الصحابة فيها اختلاف كثير فروى عمر بن ذر عن أبيه قال صليت خلف ابن عمر فجهر ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} وروى حماد عن إبراهيم قال كان عمر يخفيها ثم يجهر بفاتحة الكتاب وروى عنه أنس مثل ذلك قال إبراهيم كان عبد اللّه ابن مسعود وأصحابه يسرون قراءة {بسم اللّه الرحمن الرحيم} لا يجهرون بها وروى أنس أن أبا بكر وعمر كانا يسران ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} وكذلك روى عنه عبد اللّه بن المغفل وروى المغيرة عن إبراهيم قال جهر الإمام ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} في الصلاة بدعة وروى جرير عن عاصم الأحول قال ذكر لعكرمة الجهر ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} في الصلاة فقال أنا إذا أعرابي وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة قال بلغني عن ابن مسعود قال الجهر في الصلاة ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} أعرابية وروى حماد بن زيد عن كثير قال سئل الحسن عن الجهر ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} في الصلاة فقال إنما يفعل ذلك الأعرابي واختلفت الرواية عن ابن عباس فروى شريك عن عاصم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه جهر بها وهذا يحتمل أن يكون في غير الصلاة وروى عبد الملك بن أبي حسين عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} قال ذلك فعل الأعراب وروى عن على أنه عدها آية وأنه قال هي تمام السبع المثاني ولم يثبت عنه الجهر بها في الصلاة.
وقد روى أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد عن أبي وائل قال كان عمر وعلى لا يجهران ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم} ولا بالتعوذ ولا بآمين.
وروى عن ابن عمر أنه جهر بها في الصلاة فهؤلاء الصحابة مختلفون فيها على ما بينا وروى أنس وعبد اللّه بن المغفل أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يسرون وفي بعضها كانوا يخفون.
وجعله عبد اللّه بن المغفل حدثا في الإسلام وروى أبو الجوزاء عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب {الحمد لله رب العالمين} ويختمها بالتسليم.
حدثنا أبو الحسن عبيد اللّه بن الحسين الكرخي رحمه اللّه قال حدثنا الحضرمي قال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن عبد اللّه قال ما جهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في صلاة مكتوبة ب {بسم اللّه الرحمن الرحيم}.